الساعة السابعة والنصف مساءً، مباشرة بعد انتهاء صلاة العشاء يتناول "ياسر" هاتفه المحمول ويتابع إدخال مجموعة من الحروف في قائمة الأسماء حتى كونت له في النهاية اسم "أمير" فيسود سكون رهيب قبل أن يرن جرس الهاتف مرتين متتاليتين إلى أن يقاطعه صوت أنثوي جميل....
"أميرة": الووو
"ياسر": ازيك يا مييمو، أخبارك إيه يا قمر
"أميرة": ازيك يا واد يا "ياسر" وازاي أمك
"ياسر": يا بت اتلمي بقى واحترميني شوية
"أميرة": هاحاول بس إنت عارف مش بإيدي
"ياسر": طيب باقول لك هنقضيها هنكرة فين بكرة
"أميرة": تيجي نبرشط على سيلانترو اللي في وسط البلد ولا نروح أحسن جرين فيلادج في المعادي
"ياسر": يخرب بيت أفكارك خلاص اتفقنا بس باقول لك...... تقاطعه أميرة بسرعة..
"اميرة": عارفة عارفة ياخويا.. العسكري الأخضر – "ولاء" خطيبتك.. اطمئن... مش هتعرف حاجة... أنا مش عارفة إيه ده؟! رجالة آخر زمن....
الصداقة أو الصحوبية، كلمة فضفاضة.مطاطة.. يختبئ خلفها الصحيح والقبيح، ويستعين بها الصالح والطالح من البشر، منهم من يضعها تاجا فوق رأسه، ويسمو بها عن أي أفعال تكون الصداقة براء منها، ومنهم من ينتعلها حذاء فيدنسها في براثن تصرفاته التي تكره الضوء الأحمر وتعشق اللون الأخضر فقط حيث يكون كل شيء مباح تحت مسمى الصحوبية والأنتمة والتعامل الكاجوال.
ولأن التعميم هو الطريق المضلل للحقيقة فعلينا أن نعترف أن هذا النموذج من الصداقة الذي عرضناه لتونا بين الولد والبنت أو الرجل والمرأة ليس النموذج الوحيد للعلاقة بين الولد والبنت، وإنما هناك علاقات صداقة اختارت الاحترام عنوانا لها، ورسمت لنفسها حدودا وقواعد ساعدت على استمرارها وتفادت من خلال هذه القواعد انتقاد المجتمع وازدرائه لها.
صحوبية ولا صداقة
بداية لا بد أن نتفق سويا على مسمى صحيح للصداقة؛ لأنها غالبا ما يتم تدنيسها بمسمى آخر ألا وهو الصحوبية حيث يستخدمه الناس دون أن يعرفوا معناه القبيح....
الصداقة بصفة عامة هي علاقات إنسانية تنشأ بين بني البشر يتم اكتسابها عبر فترة غير قليلة من الوقت حيث يتمكن كل طرف من خلال هذه الفترة من تحديد مكان الطرف الآخر في حياته وتأثيره فيها وعليه يختاره صديقا له فيما تبقّى له من عمر.
وعلى الرغم من أن هذا المسمى يبدو لأول وهلة مسمى عاما لكنه ينطبق أكثر على الصداقات من بني الجنس الواحد أي الولد والولد أو البنت والبنت ولكن بما أننا هنا معنيين بتفصيل مفهوم الصداقة المتبادلة بين الجنسين فعلينا أن نجري بعض التعديلات على المسمى السابق بما يتوافق مع أعراف المجتمع وقيمه المتوارثة.
فالصداقة بين الجنسين هي علاقة إنسانية خالية من كل ما يسوء أيا من الطرفين من التصرفات التي تستدعي رفض المجتمع لهما، وإنما تكون علاقات خالصة تنشأ وسط المجموع، بمعنى ألاّ تكون فلانة صديقة لفلان فحسب وإنما تكون فلانة صديقة لفلان ولأسرة فلان ولإخوة فلان، أي تتحول من صداقة شاب لصداقة أسرة ويترفع الطرفان خلال هذه العلاقة عن أي تجاوزات يمكن أن تحدث كالخروج سويا دون صحبة الزوجة أو الخطيبة أو الأهل؛ وبالتالي تتحول هذه الصديقة - وهو المسمى الذي يشوبه بعض التحفظات - إلى قريبة وهو الجسر الذي يجب أن تعبر عليه الصداقات لبر الأمان بدلا من أن تنزلق نحو منعطفات أخرى خطيرة.
أصحاب بس بنستهبل
المكان:جرين فيلادج، المعادي... الزمان: الساعة السابعة والنصف مساء، الحالة: ياسر وأميرة في حالة رقص بيّن على أنغام أغنية can't take my eyes off you لـ"باري مانولو".
"ياسر" (وهو ينهج): المكان جامد بس الـminimum مبالغ فيه شوية
"أميرة": بطّل بقى شغل القهاوي ده، المهم إنه نضيف
ياسر (وهو يتناول يد "أميرة" في أحد أجزاء الرقصة حيث تدور حول نفسها وهو ممسكا بيدها): مش أنا قطعت مع الواد "هيثم" امبارح وطرّيت له خالص، ده طلع واد ابن - تييييت –
"أميرة": نفس النظام حصل معايا امبارح، تصور كنت واقفة في البروفة امبارح باغيّر هدومي وبعدين قامت البت "جيجي" جابت الموبايل و...................(كلام عيييييب).
هذا هو النوع الأول من صداقات اليومين دول والذي يمثل الجانب الأكثر تطرفا في فهمهم لمضمون الصداقة بحيث تكون الحواجز غير واردة بالمرة وكل شيء يمكن التطرق إليه... المكروه والممنوع، الحرام وغير المشروع، فالصداقة بالنسبة لهم أن يكون الولد بالنسبة للبنت بنتا والبنت بالنسبة للولد ولدا من حيث درجة الخصوصية المتاحة بينهما، وتذهب معها نقاشاتهم إلى أدق التفاصيل وتتعطل فلاتر الكلام فيتفوه كلا الطرفين بألفاظ مصنفة درجة أولى في بذاءتها وخطورة الموضوعات التي تتناولها.
وفي هذه الحالة فإن ترميم العلاقة بين الطرفين غير مجدٍ بالمرة لأنها علاقة فاسدة نشأت كي تموت آجلا أم عاجلا، ولا حل لها سوى البتر لأنها تكون مثل الغرغرينا التي تصيب القدم لا حل لها سوى البتر، وإلا تسمم باقي الجسد، المثال ذاته ينطبق بتفاصيله على هذه الحالة حيث إن استمرار هذه العلاقة ربما تذهب بهما إلى ما هو أبعد بمراحل من مجرد التفوه بألفاظ بذيئة أو مواضيع – عيييب –، هذه نقطة، أما النقطة الثانية فهي أن في الأمر خيانة غير مكتملة الأركان لزوجتك أو خطيبتك التي تعتقد أن جل ما يمكن أن يخطئ فيه خطيبها هو التأخر مع أصدقائه خارج المنزل..... أيوة مالهاش حل تاني سيب البنت دي تماما واقطع علاقتك بيها وإلا لا تلومن إلا نفسك؛ لأنك ستفقد وقتها خطيبتك والأخطر من هذا وذاك أن تفقد احترامك لنفسك.
أصحاب في الحلالالالالال
"أيمن": صباح الخير يا "آية" ازيك
"آية": الحمد لله يا باشا... باقول لك إيه؟ أنا نسيت كشكول المحاضرات في الجامعة ممكن تعدي عليّ تجيب لي كشكولك
"أيمن": من عينيّ بس صحيح
"آية": خيييييير؟؟؟
"أيمن" : لو اتصلتي بـ"منى" متبقيش تقولي لها إني جيت لك عشان إنتِ عارفاها
"آية"(بارتباك واضح في صوتها): آه.... طيب...حاضر.
هذا هو النوع الثاني وربما الأكثر شيوعا بين الشباب وهو علاقة صداقة بين طرفين شاب وبنت ربما تخلو من المشاعر الجياشة أو الألفاظ البذيئة أو التجاوزات الشائعة وإنما بها فقط بعض الشوائب، وأكبرها أنها تكون في الخفاء وبعيد عن عيون الزوجة أو الخطيبة، وإخفاء الشيء دليل على خطئه لأن العواقب وقتها ستكون وخيمة، ففي حال عرفت خطيبتك بالأمر - وهي ستعرف بالمناسبة عاجلا أم آجلا لأن الكذب ليس له أقدام بينما الحقيقة لها ألف قدم – ستفقدها للأبد، وإذا أردت أن تعدل بوصلتك نحو الطريق الصحيح فعليك بالتالي....
أولا: يجب عليك أن تحاول بشكل أو بآخر أن تشرك خطيبتك أو زوجتك في هذه الصداقة بحيث تضرب عصفورين بحجر واحد، العصفور الأول هو أن صداقتك بهذه الفتاة لم تعد صداقة فردية بين طرفين فحسب بل أصبحت في إطار جماعي يبتعد بها عن الشبهات، أما العصفور الثاني فهو أنك نجحت في التخلص من ذنب الكذب على زوجتك وأزلت عن عاتقك تهمة إخفاء سر عنها.
أستطيع أن أستمع لبعض الأصوات المعترضة في نفسك والتي تقول: إنت بتحلم.. دي لا يمكن توافق على كده أبدا، دي تشتغل لي في الأزرق، والإجابة واضحة وصريحة طالما أن هذه البنت محترمة فلماذا ترفض، سمعت إجابتك مرة أخرى – الغيرة- والإجابة أبسط من اللي قبلها... فلتجعلها هي من تحدد ضوابط هذه الصداقة ثلاثية الأشخاص بقوانينها وشروطها هي... فإذا طلبت منك عدم الاتصال بها...فليكن... عدم الخروج معها بدونها فليكن... لا ترد على اتصالاتها بعد العاشرة مساء فليكن.... المهم أنك ستنجح في وضع إطار سليم لهذه الصداقة بدون كذب أو خداع.
ماتحبكيهاش عشان المركب ما تغرقش
كلمة أخيرة في أذن الفتاة - خطيبة كانت أو زوجة - إذا يوما أتى زوجك وأخبرك عن فلانة الفلانية فلتحترمي صراحته ولا تتركي الانفعال يتسابق إلى لسانك وتذعني لمنطق الغضب وتهملي منطق الحكمة؛ لأنه سيفعل وقتها ما كان سيفعله ولكن من وراء ظهرك، ووقتها ستصبحين كالأطرش في الزفة الذي يحسب أنه يعلم كل شيء وهو في الحقيقة لا يدري أي شيء.
يجب أن تستمعي إليه وتعرفي لماذا يريد أن يضمها لقائمة المعارف والأصدقاء، ماذا تضيف له؟ فتضيفي أنتِ أفضل منها، في أي جزء فيها يهتم هو؟ فتقدمي له ما يريد فهذا في صالحك وفي صالح العلاقة قبل أن يكون في صالحه هو، وكما سبق أن ذكرت، نصي قوانينك، وضعي دستورك الخاص الذي على أساسه سيسير، ووفقا لأحكامه سيتصرف، ولا تجعليه يكره صراحته ويحب كذبه.