tulio2008
عدد الرسائل : 71 العمر : 47 السٌّمعَة : 0 نقاط : 5745 تاريخ التسجيل : 27/08/2008
| موضوع: تفسير سورة يوسف (الجزء التاسع) الخميس مارس 26, 2009 11:26 am | |
|
الفصل الخامس
المشهد الأول: الآية 69 فقط
وَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آَوَى إِلَيْهِ أَخَاهُ قَالَ إِنِّي أَنَا أَخُوكَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (69(
التفسير:
مضت الأيام و نفذ الطعام الذي أحضره اخوة يوسف من مصر و أرادوا الذهاب مرة أخرى الى مصر لجلب طعام جديد و لكن في هذه المرة أحضروا معهم "بنيامين" أخوهم الذي طلب يوسف احضاره معهم.
و تحركوا صوب مصر و دخلوا على يوسف الذي كان يشرف على توزيع الطعام و الغلال خلال الأزمة الاقتصادية بنفسه.
(وَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ) أدخلهم دار كرامته و منزل ضيافته و أفاض عليهم
(آَوَى إِلَيْهِ أَخَاهُ) أى ضمه اليه و اختلى به فكلمه و كشف له عن نفسه
(قَالَ إِنِّي أَنَا أَخُوكَ) أنا أخوك يوسف الذي فعل به اخوته كذا و كذا ثم قال له معزيا و مواسيا (فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) أى فلا تحزن على ما كانوا يعملون معي و معك و مع أبينا. فلما عرف بنيامين أنه يوسف طلب منه ألا يرده اليهم و رفض العودة معهم فقال له يوسف : لا يمكن حبسك الا بعد أن أنسبك الى ما لا يجمل بك فقال بنيامين : لا أبالي.
المشهد الثاني: من الآية 70 الى 75:
فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ جَعَلَ السِّقَايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ (70) قَالُوا وَأَقْبَلُوا عَلَيْهِمْ مَاذَا تَفْقِدُونَ (71) قَالُوا نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ (72) قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ مَا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الْأَرْضِ وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ (73) قَالُوا فَمَا جَزَاؤُهُ إِنْ كُنْتُمْ كَاذِبِينَ (74) قَالُوا جَزَاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (75(
التفسير:
(فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ) دس خفية و من وراء ستار ، كأس الملك في رحل أخيه تنفيذا لتدبير خاص ألهمه له الله سبحانه و تعالى لحكمة أرادها.
(جَعَلَ السِّقَايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ) و السقاية هى كأس الملك و هى الصواع و عادة ما يكون من الذهب الخالص، و بعد أن تأكد يوسف تماما من تجهيز جهازهم و النجاح في دس الكأس في رحل أخيه دون أن يشعر أحد ، كان ما يلي:
(ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ) نادى المنادي بصوت عال مرتفع للاعلان العام قائلا (أَيَّتُهَا الْعِيرُ) أى يا أصحاب هذه العير و هم اخوة يوسف (إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ) و هذا اتهام عام بالسرقة دون تحديد شخص معين ، فانزعج اخوة يوسف من هذا الاتهام الخطير المخيف و لم يسكتوا على هذا الاتهام بل (قَالُوا وَأَقْبَلُوا عَلَيْهِمْ مَاذَا تَفْقِدُونَ) سؤال و استفسار فوري منهم عن الشىء المسروق ، فأجابهم الحراس (قَالُوا نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ) أى نتهمكم بسرقة كأس الملك ثم أتبعوا كلامهم هذا باعلانهم عن مكافأة سخية لمن يأتي به من نفسه دون تفتيش لمتاعه اذ قالوا (وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ) من القمح و هى مكافأة سخية في مثل هذه الظروف التي عمت فيها المجاعة ، و لزيادة التأكيد في هذه المكافأة قال رئيسهم (وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ) أى أنا لها ضامن.
و لأن اخوة يوسف لم يسرقوا فعلا و لأنهم تأثروا بهذا الاتهام الخطير فقد أقسموا بالله واثقين ببرائتهم (قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ مَا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الْأَرْضِ وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ) أى و الله ما سرقنا و لا ينبغي أن يكون منا ذلك و أنتم تعلمون حالنا جيدا و ما جئنا الا لأجل الطعام و ليس لمثل هذا الفساد.
لم يلتفت رجال يوسف لهذا القسم و نفى التهمة بل واصلوا اكمال الدور بالحديث عن العفاب لمن تثبت عليه تهمة السرقة (قَالُوا فَمَا جَزَاؤُهُ إِنْ كُنْتُمْ كَاذِبِينَ) لم يقولوا سنرى ان كنتم كاذبين أم صادقين كما هو النتبع في أولى خطوات التحقيق بل دخلوا في الحديث عن العقاب مباشرة تحقيقا للغرض الحقيقي من هذا الاتهام ، و لأن اخوة يوسف موقنون من برائتهم فقد ارتضوا بتحكيم شريعتهم في هذا الموضوع (قَالُوا جَزَاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ) أى من وجد عنده ذلك الشىء المسروق فيؤخذ رهينة أو أسيرا أو رقيقا (كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ) أى هذا هو الجزاء المتبع في شريعة يعقوب عليه السلام.
و من هنا نتعلم هذه الدروس التربوية:
الدرس الأول:
عبر القرآن عن السرقة بالافساد في الأرض مرة و بالظلم مرة أخرى، و ذلكل لأن كل مخالفة لحكم من أحكام الله هى افساد بينما الامتثال لأوامره سبحانه و تعالى و الاجتناب عما نهى هو اعمار للأرض و اصلاح لها و لأهلها ، كما أن السارق يظلم نفسه أولا و يظلم غيره باستلاب حقه ثانيا و بهذا فالسرقة افساد و ظلم.
الدرس الثاني:
أن الحيلة الشرعية مشروعة و لذلك فان يوسف عليه السلام عندما أراد أن يأخذ أخاه أخذه بالحيلة الشرعية و لم يأخذه على حسب دين الملك الجاهلي و انما على حسب شريعة يعقوب التي كان جزاء السارق فيها هو ان يؤخذ عبدا عند المسروق منه.
الدرس الثالث:
أن الجعاله مشروعه وهى أن تقول من وجد ضالتي فله ألف دينار مثلا هذا جُعل تجعل مبلغ مقطوع لمن فعل لك شيء معين.
المشهد الثالث : الآية 76
فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَاءِ أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا مِنْ وِعَاءِ أَخِيهِ كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ (76(
التفسير:
بدأ التفتيش و قد ارتضى الجميع أن يطبق على نتيجة هذا التفتيش شريعة يعقوب عليه السلام و ليس شريعة الملك و هنا تظهر فطنة يوسف عليه السلام في البدأ بتفتيش أوعيتهم قبل وعاء أخيه (فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَاءِ أَخِيهِ) و الوعاء هو ما يحفظ فيه المتاع و طبعا بعد تفتيش كل وعاء كانوا يزدادون ثقة في أنفسهم و براءتهم و لم يبق الا تفتيش وعاء أخيهم بنيامين ثم كانت المفاجأة (ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا مِنْ وِعَاءِ أَخِيهِ) فأصاب الذهول الجميع ، و بذلك تمت الخطة (كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ) أى دبرنا له و وجهناه الى هذه الخطة حتى يأخذ أخاه منهم و يبعده عنهم (مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ) أى لم يكن يمكن له أخذه منهم لو أنه تم تطبيق شريعة الملك و هى أن يدفع السارق ضعفى ما سرق (إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ) و قد شاء و تم الحكم عليه بشريعة يعقوب و هى أن يؤخذ السارق أسيرا عند من سرق (نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ) أى هذه سنتنا أن نرفع بالعلم و الايمان من نشاء من عبادنا درجات فوق درجات، و مع هذا ينبغي أن نعلم جيدا أنه (وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ) و هو الله سبحانه و تعالى.
و من هنا نتعلم هذه الدروس التربوية:
الدرس الأول:
لا ينبغي لأحد أن يغتر بما فتح الله عليه من علم حيث ان ذلك كله من فضل الله تعالى و أن الله هو العليم و لا عليم سواه و لذا لا يصح أن تقال هذه العبارة في التفضيل بين العلماء و بعضهم البعض .
الدرس الثاني:
فضل العلم و الايمان ، فبالعلم و الايمان وصل يوسف عليه السلام الى ما وصل اليه من مكانة عالية و منزلة في الناس سامية ، و بالعلم و الايمان توصل الى هذه الحيلة الذكية في أخذ أخيه ليتم مراد الله تعالى و قضاؤه في هذه الأسرة ، و بالعلم و الايمان صارت تصرفاته أسوة تحتذى و قدوة تقتفى في الناس جميعا و الى يوم الدين، أن الذي يرفع و يخفض هو الله سبحانه و تعالى و ما العلم الا سبب فقط.
الدرس الثالث:
أن الإنسان إذا أراد أمرا فعليه أن يهيئ له الأسباب لئلا ينكشف فبدأ بأوعيتهم قبل وعاء أخيه لأنه لو بدأ بوعاء أخيه ووجده صارت مكشوفة لكنه بدأ بأوعيتهم ثم استخرجها من وعاء أخيه وهذا يدل على إحكام الخطة فان الله تعالى لما أراد أن يأخذ أخاه عنده هيئ الله له كل هذا وجعل الأمر يسير حتى يخرج أخوه يوسف وهم لا يشكون في الأمر وأن أخاهم سارق وأخذ أخاهم بشريعة يعقوب ولم يؤخذ بدين الملك .
الدرس الرابع:
جواز التوصل الى الأغراض بالحيل اذا لم تخالف الشريعة و لا تهدم أصلا من أصولها و لم ينتج عنها أذى لبريء
الدرس الخامس:
أن كلمة "دين الملك" تطلق على شريعة الملك و نظامه و من هنا فكلمة الدين تطلق على الشريعة و النظام و ليس على الجانب التعبدي فقط.
الدرس السادس :
وجوب التحاكم إلي شريعة الله وعدم جواز التحاكم إلي القوانين الجاهلية والأنظمة الخبيثة وإنما إلي شرع الله عز وجل وكتابه وسنه رسوله صلي الله عليه وسلم.
| |
|
شيماء سيف الدين مشرفة قسم الجغرافيا
عدد الرسائل : 1260 الأوسمه : السٌّمعَة : 51 نقاط : 15982 تاريخ التسجيل : 04/04/2008
| موضوع: رد: تفسير سورة يوسف (الجزء التاسع) الخميس مارس 26, 2009 4:45 pm | |
| نشكرك علي التفسير الرائع جزاك الله عليه خيرا | |
|