قصائد بوشكين الإسلامية
ابراهيم استنبولي
بوشكين
عُقِد في آذار الماضي لقاء في مقر وكالة الأنباء الروسية RIA <نوفوستي>، حيث تم الإعلان عن ورقة عمل بشأن تأسيس الجائزة الأدبية <الاختراق الإسلامي>. وقد تم إطلاق الجائزة بمشاركة كل من دار النشر الإسلامية <الأمة>، مجلس الإفتاء في روسيا الاتحادية، وكالة الأنباء الروسية <ريا نوفوستي> والمجلس الاتحادي لشؤون الطباعة ووسائل الإعلام.
أما أعضاء لجنة التحكيم فهم: رئيس مجلس إدارة دار النشر <الأمة> أصلان بيك إيجاييف، رئيس هيئة تحرير مجلة <الصداقة بين الشعوب> الكساندر أيبونايدزه، الشاعر المعروف ومؤلف الكثير من الأغاني ورئيس مجلس إدارة النشر Ultra.Cultura إيليا كورميلتسيف، زعيم الحزب القومي البلشفي (NBP) إدوارد ليمونوف والناقد الإسلامي الأستاذ في معهد العلاقات الدولية في موسكو رينات بيكين.
وقد أشار المشاركون في المؤتمر الصحافي ذاته إلى أن غالبية المشتركين في المسابقة هم من الروس، الذين اعتنقوا الإسلام حديثاً أو من المتعاطفين مع الإسلام.
وكان سبق الإعلان عن الجائزة مسابقة شعرية تحت عنوان <قرأتُ القرآن العذب>. ولكن بما أن الإسلام، حسب تعبير إيليا كورميلتسيف، يعتبر <واحداً من الإيديولوجيات والقوى السياسية الرئيسة في العالم وواحدا من أكثر الديانات انتشاراً في العالم>، فقد كان من الضروري الانتقال بالموضوع الأدبي الإسلامي في روسيا إلى مستوى جديد.
أما اسم الجائزة فمأخوذ من رواية بنفس الاسم للكاتب المسلم الروسي مسلم دميتري أختياموف، الذي صور في روايته تلك عملية اعتناق الإنسان الروسي للإسلام وقام بتوصيف حياة المسلمين الروس، الذين تحتوي الرواية على الكثير من نظرائهم الأصليين.
وقد بيّن الناقد والأستاذ في معهد العلاقات الدولية في موسكو رينات بيكين، أن الغاية من جائزة <الاختراق الإسلامي> تأسيس جائزة جدية، مستقلة ونزيهة نوعاً ما. إذ إن أغلبية الجوائز الأدبية اليوم، والكلام لبيكين، ذات طابع <إمتاعي> إن صحّ التعبير، حيث يستلم الجوائز كُتَّاب من الدائرة ذاتها. بينما جائزة <الاختراق الإسلامي> تختلف جذرياً عن غيرها. فمثلا، معظم المؤلفين المشاركين لم يكونوا على علم بترشيح أسمائهم أو أنهم من ضمن القائمة المختارة في ورقة لجنة التحكيم، مما كان يبعث الدهشة لديهم عند الاتصال بهم وإعلامهم عن ذلك.
رئيس تحرير مجلة <الصداقة بين الشعوب> الكسندر أيبونايدزه قيّم عالياً دعوة شخصيات غير مسلمة للمشاركة في لجنة التحكيم واعتبر ذلك بمثابة تعبير عن قبول الآخر من قبل أتباع الديانة الإسلامية مؤسسي <الاختراق الإسلامي>. وبهذا الخصوص لاحظ أصلان بيك إيجاييف أن الكثيرين رفضوا تلبية الدعوة للمشاركة في كل ما يتعلق بالإسلام وليس في لجنة التحكيم فقط. ولذلك أثنى ووجه التحية والشكر إلى أعضاء لجنة التحكيم على ما أظهروه من تجاوب وتفهم للمسلمين في روسيا.
أما الكاتب وزعيم الحزب القومي البلشفي NBP إدوارد ليمونوف فقد صرّح أن الإسلام الآن هو الأكثر ثورية و<هو في طليعة المناضلين ضد الجهات المقيتة في عالمنا المعاصر>. كما أعلن ليمونوف أن الحزب يضم أعداداً كبيرة من الأعضاء، الذين اعتنقوا الإسلام. وكان ليمونوف هو من أعلن عن الأعمال المشاركة في جنس النثر وهي: قصة <الشهيدة> (لقد دخل هذا المصطلح اللغة الروسية للإشارة إلى المرأة، التي تقوم بعملية انتحارية ولذلك تلفظ الكلمة بالروسية كما هي Shahidka والكاف هنا للتأنيث في اللغة الروسية المترجم) للكاتب غليب بافلويد، قصة <حكاية القمر الذي لم ينطفئ> للكاتب غلام فان زايتشيك، وكذلك القصة الطويلة <أدنى من السماء> لسفيتلانا تشوراييفا. ونوّه ليمونوف بالأعمال التالية: رواية <حياة السيد هاشم منصوروف> وقصة <المسجد الأخضر>، اللتين كتبتا بأسلوب تقليدي قريب من أسلوب الكاتب المعروف فاضل اسكندر. وحسب رأي زعيم الحزب القومي البلشفي، تستحق التقدير القصة الطويلة حول فلسطين <حدود وأجيال>، التي كتبها معتنق حديث للإسلام.
بينما أعلن الأستاذ في معهد العلاقات الدولية رينات بيكين عن نتائج المسابقة في جنس الأدب الاجتماعي، فأشار إلى أن هذا هو الجنس الأدبي الوحيد، الذي تبلور عن جدارة في الفضاء الإسلامي الروسي. ومع ذلك فإن هذا النوع هو، من وجهة نظره، الأكثر غرابة من بين المشاركات. وعلى وجه الخصوص، أشار بيكين، إلى أن بعض النصوص كانت طريفة جدا، كما هو الحال مع الدراسة بعنوان <الجهاد ضد إسرائيل جهاد ضد الله>، التي وصلت إلى اللجنة من تل أبيب. وليس أقل طرافة، كما لاحظ بيكين، تلك الدراسة التي أرسلها إلى اللجنة طبيب من مدينة ستافروبول (تقترب من حيث الحجم من الرواية)، حيث يورد المؤلف أمثلة شخصية تبرهن على أن الإسلام يساعد الناس في المحافظة على الصحة.
كما أشار رينات بيكين إلى أنه لم تكن هناك أية أعمال عدوانية، بل إن جميع الأعمال كانت تتسم باللباقة السياسية. مع العلم أن حوالى90? من الأعمال تدور حول موضوع <كيف توصلت إلى الإسلام>.
أما إيليا كورميلتسيف فقد أشار إلى أن نصيب الشعر من الأعمال كان قليلا، وهذا حسب رأيه نتيجة الصدفة البحتة. إذ لم يرسل أشعارهم إلى المسابقة سوى عشرة شعراء، مع أنه يعرف عدداً أكبر بكثير من الأعمال الشعرية حول الإسلام. ولكنه اعترف بأن أغلبية القصائد لا تندرج تحت اسم <الأدب الإسلامي بقدر ما هي أدب في الموضوع الإسلامي، أي من أدب الاستشراق>.
وأخيرا، يمكن القول ان المسابقة تعد بمستقبل جيد: حقا، لدى المسلمين ومَن يتعاطف مع الإسلام طيف واسع من المواضيع، التي تشغل ليس بال الأمة وحسب، بل الكثير من غير المسلمين. بدءاً بموضوع <النقاط الساخنة> في العالم الإسلامي، من فلسطين حتى أفغانستان والعراق، وموضوع الصحوة الإسلامية وما يرتبط بها مثل موضوع مصير المسلم على خلفية الأحداث التاريخية، معاناته الداخلية، تأثير تلك الأحداث على شخصية المسلم، وموضوع الجهاد ضد الظلم.
كما تجب الإشارة إلى إشكالية العلاقة بين المسلم والمحيط غير الإسلامي، مع المجتمع الذي يعادي المسلم في أحيان كثيرة، مع المواطنين الذين لا يشاركون المسلم اختياره، ومن جهة أخرى، مع أولئك الناس من غير المسلمين أصحاب الموقف الودي تجاه الإسلام.
وليس أقل أهمية وإلحاحاً العلاقة بين الرجل والمرأة في الإسلام وما يتعلق بحياة الفتيات المسلمات، بعلاقتهن مع الأهل غير الملتزمين بأركان الإسلام، وما يخص علاقتهن بمن يحيط بهن في المدرسة والمعهد وفي العمل. ويجب القول ان هذه القضية تتطلب اهتماماً مركزاً نظراً لراهنيتها ومضمونها التراجيدي.
باختصار، لقد أظهر اللقاء أن هناك تربة خصبة جداً لتشكل ونشوء أدب إسلامي من حيث المضمون. وأنه من المفيد أن تجرى مقارنة رؤية الكاتب الإسلامي وغير الإسلامي إلى هذه القضايا.
وفي النهاية يجب القول ان هناك الكثير مما يمكن للمسلمين أن يتقاسموه على صعيد الدراما الداخلية وبما يخص مصائر المسلمين. وبالتالي فإن الأدب الإسلامي المبدع لا بد سيقدم للقارئ المسلم وغير المسلم ما هو جدير بالاهتمام وسيفتح آفاقاً إبداعية جديدة وسيكشف عن مقاربات طليعية في مجال الأدب النثري ككل.
وبهذه المناسبة نحب أن نذكر بأن الثقافة الإسلامية كانت قد ألهمت شاعر روسيا الكبير بوشكين، وهذا ما انعكس بشكل مباشر في قصائده الملحمية <نافورة باختشي ساراي>، <الأسير القوقازي>. وقد توّج بوشكين مواضيعه الإسلامية بسلسلة قصائد <محاكاة القرآن>. ومن يقرأ بعض أعمال الشاعر الإبداعية فقد ينشأ لديه انطباع، كما لو أن شاعراً مسلماً يمجِّد عقيدته على لسان بوشكين.
وهذه ترجمة لبعض قصائد الشاعر الروسي الكسندر سيرغييفيتش بوشكين، الذي يعتبره البعض بمثابة المتنبي بالنسبة لروسيا. وقد قصدت أن تكون هذه القصائد متنوعة ولا تقتصر على الموضوع الإسلامي.
1
من سلسلة <محاكاة القرآن>
أقسم بالشفع و بالوتر،
أقسم بالسيف وبمعركة الحق،
أقسم بنجمة الصبح،
أقسم بصلاة العصر.
كلا، أنا ما هجرتك.
فمَن إذن شملتُ برعايتي،
وأنزلت السكينة عليه،
وحميته من المطاردة القاسية.
ألستُ أنا الذي سقيتك
من ماء الصحراء في يوم العطش؟
ألست أنا الذي وهبت لسانك
سلطاناً عظيماً على العقول؟
كُنْ شجاعاً إذن، احتقر الخداع،
اتبع درب الحق بهمة عالية،
أحبب اليتامى، و بشر بقرآني
للمخلوقات الضعيفة.
2
يا نساء النبي الطاهرات،
يا مَن تتميزن عن كل النساء:
بالنسبة لكنَّ مرعب شبح الخطيئة.
في ظلِّ الطمأنينة الرغيد
عِشْن بتواضع: وجب عليكن
حجاب الفتاة العذراء.
ولتحفظنَ قلوبكن وفيةً
لأجل التنعّم شرعاً وحشمة،
ولكي لا ترى عيون الكفار
الماكرة وجوهكن!
وأنتم، يا ضيوف محمد،
حين تتوافدون للسهر عنده،
احرصوا على ألا تعكروا
النبي بشؤون دنياكم.
عند تحليق أفكاره بالصلوات
هو لا يحب المتحذلقين
والكلام الفراغ غير المحتشم:
أكرموا مائدته بوداعة
وبانحناء عفيف
لزوجاته الشابات.
1 أراغفا: نهر مشهور في القفقاس، وهو من أهم معالم جورجيا المترجم.
2 تيريك نهر، من المعالم الرائعة في القفقاس، يصب في بحر قزوين... المترجم
(طرطوس) سوريا