نظرية التيارات الصاعدة لم تكن الشواهد الجيولوجية الكثيرة، كافية لإقناع جمهور العلماء، بأن حدوث التزحزح، كما أوردته في نظرية تزحزح القارات، هو أمر ممكن. فكان لا بد من البحث عن حلول وتفسيرات للاعتراضات، التي واجهتها النظرية.
في عام 1928، اقترح هولمز، أن التيارات الحرارية الصاعدة Thermal Convections، في طبقة الوشاح، تحت القشرة الأرضية، يمكن أن تؤدي تحريك هذه القشرة. ورأى أن قوة الاحتكاك، بين تيارات الصهير في الوشاح، وقشرة الأرض، قد باعدت بين جزءي قارة بانجايا؛ إذ إن التيارات الصاعدة في طبقة الوشاح، عند خط الاستواء، عندما تصدم القشرة، من الأسفل، تنقسم إلى قسمين: أحدهما، يتجه شمالاً؛ والآخر، يتجه جنوباً. وقد أسفرت قوة احتكاك هذه التيارات، عن انكسار قارة بانجايا إلى قسمين، شمالي وجنوبي. وبداية تباعد أحدهما عن الآخر، قبل نحو 135 مليون سنة في الزمن الثاني Mesosoic . وتكون بينهما بحر، أطلق عليه بحر تيثس Tethys؛ كان يمتد في العروض، الاستوائية والمدارية. وقد أطلق على القارة الجنوبية اسم جندوانالاند Gondwanaland، وعلى القارة الشمالية اسم لوراسيا Laurasia. وتكونت، في تلك الفترة، العاب المرجانية، في قاع بحر تيثس، التي توجد شواهدها، اليوم، في سلاسل الألب الأوروبية. كما ازدهرت فلورا النباتات المدارية، في جنوب لوراسيا ووسطها؛ وغطت فلورا النباتات القطبية جنوب جندوانالاند ووسطها.
يقول هولمز، إذاً، إن سطح الكرة الأرضية، كانت تشغله قارتان عظيمتان ، هما: لوراسيا وجندوانا، اللتان يفصل بينهما بحر تيثس، ويحيط بهما محيط واسع، في نهاية الزمن الجيولوجي الثاني، في العصر الكريتاسي، قبل قرابة 135 مليون سنة . ويرى هولمز، أن التيارات الصاعدة، تسببت، كذلك، بتكسر هاتين القارتين. فتكسرت جندوانا إلى عدة أجزاء، هي التي تشكل، اليوم، قارات: أفريقيا، وأمريكا الجنوبية، وأستراليا، وأنتاركتيكا، وشبه القارة الهندية. وأدى تكون جنوب الأطلسي، قبل نحو 120 مليون سنة، إلى انفصال أفريقيا عن أمريكا الجنوبية .
وقد دفعت التيارات الصاعدة أفريقيا، نحو الشمال، لتقترب من قارة أوروبا، دافعة الرواسب المتراكمة في قاع بحر تيثس أمامها، لتلتوي مكونة سلاسل الجبال الالتوائية، في جنوب أوروبا (جبال الألب)، وفي غرب آسيا (جبال زاجروس وطوروس).
وقبل نحو 65 مليون سنة، كان توزع اليابس والماء قريباً من توزُّعها الحالي؛ وإن لم تكن الهند قد التحمت بآسيا بعد. وقد أدى التحامها بها، وضغطها عليها، التواء جبال الهملايا. وبابتعادها عن أنتاركتيكا، تكوّن المحيط الهندي.
حسب رأي هولمز، كان تحرك قارة أستراليا، ناتجاً من شدة التيارات الصاعدة تحتها. وقد أسفر عن تكوّن السلاسل الجبلية، في شرقها.
أما البحر المتجمد الشمالي، والجزء الشمالي من المحيط الأطلسي، فقد تكوّنا نتيجة تكسر لوراسيا وتباعد أجزائها. وقد تسبب تحرك أمريكا الشمالية نحو الغرب، بتكون سلاسل جبال الروكي الالتوائية، في غرب القارة؛ إضافة إلى حوضي المحيط الأطلسي الشمالي، والبحر المتجمد الشمالي.
يتضح، إذاً، أن هذه النظرية، تدعم الفكرة الأساسية في نظرية تزحزح القارات. وتؤيد فكرة وجود يابس قديم واحد، انقسم إلى القارات الحالية. وأن القارات تزحزحت، عبر الزمن، إلى أمكانها الحالية. ولكن النظرية، تضيف بعداً جديداً، في شرح القوة الدافعة إلى التزحزح، المحرك للقارات.
لقد وضع هولمز أسس الفكر الحديث، لنظرية الصفائح التكتونية، بإشارته إلى فكرة التباعد Divergence، وفكرة الهبوط أو الاندساس Subduction. وفي الوقت الذي كتب فيه آراءه، لم تكن تلك الآراء سوى أفكار وتوقعات، لسد الخلل في نظرية التزحزح. وكانت تفتقر إلى شواهد مؤيدة، تمنحها قيمة علمية، وتحظى باهتمام العلماء.
تكوّن الأحواض المحيطية، في ضوء نظرية تكتونية الصفائح
بدأت الأفكار تتضح، والأدلة تتجمع، لتؤيد فكرة وجود صفائح تكتونية Tectonic Plates ، منذ الأربعينيات من القرن العشرين، حين بدأت عمليات رسم خرائط لقاع المحيط الأطلسي. هذه العمليات أدت اكتشاف أخدود طولي، في منتصف المحيط. وقد قال العالم هاري هيس Harry Hess، من جامعة برنستون Princeton University، عام 1962، إن قاع المحيط، يفترق، ويتحرك في اتجاهين متعاكسين، على طول الأخدود الموجود في منتصف المحيط. وإن صخوراً جديدة، تنبثق من باطن الأرض، على طول خط الافتراق Divergence Line. وإن القشرة المحيطية، في الأخاديد المحيطية، تغوص تحت القشرة القارية، عند التقائهما، لتنصهر داخل الوشاح . ومثلما ظن هولمز، يقول هيس بأن هناك نظاماً حرارياً في الوشاح، تدور فيه تيارات الحمل الحراري، لتفترق تحت القشرة المحيطية، دافعة إياها في اتجاهين.
وجدت فكرة تباعد سطح قاع المحيط Sea-Floor Spreading، تأييداً، بظهور شواهد جديدة، توضحها. فسرعان ما أشار بعض الأبحاث الجيولوجية، خلال الستينيات من القرن الماضي، إلى تغير الحقل المغناطيسي للأرض، عدة مرات، خلال عمرها الجيولوجي. وأوضحت أبحاث أخرى، أن هناك نمطية منتظمة، في التوجيه المغناطيسي، في المعادن الصخرية، في قاع شرق المحيط الهادي؛ وأنها تأخذ شكل أحزمة متوازية، على الجانبَين . تلك الشواهد، وشواهد أخرى كثيرة، تجمعت، بنهاية عام 1968، لتكوّن نظرية تكتونية الصفائح، التي توضح كثيراً من حقائق تكوّن الأحواض المحيطية.
تقول نظرية تكتونية الصفائح، إن طبقة الليثوسفير Lithosphere، الخارجية، الصلبة، تتكون من قرابة 20 صفيحة؛ منها ست صفائح كبيرة. وأكبر هذه الصفائح صفيحة الهادي Pacific Plate، التي يقع معظمها في المحيط الهادي. وبعض الصفائح، تمتد تحت قشرتَين، محيطية وقارية، في الوقت نفسه.
وتمتد طبقة الليثوسفير فوق طبقة، هي أسمك منها؛ ولكنها ألين، وأشد حرارة، يطلق عليها أسثنوسفير Asthenosphere. ويبدو أن الأولى، يقل سمكها في المحيطات، ليراوح بين 80 كيلومتراً و100 كيلومتر فقط؛ بينما يزداد في القارات، إذ يتجاوز 100 كيلومتر، وقد يصل إلى 400 كيلومتر. وتقول النظرية، إن كل صفيحة تتحرك، كوحدة واحدة، فوق طبقة الأسثنوسفير. لذا، فأحواض المحيطات، تكوّنت نتيجة لعدة عوامل، هي:
|
أ- |
اختلاف الكثافة، بين الكتل القارية، التي لا تتجاوز كثافتها 2.7 جرام، في السنتيمتر المكعب، والقشرة المحيطية، التي تبلغ كثافتها 3.25 جرامات، في السنتيمتر المكعب ـ يؤدي اختلاف المنسوب بينهما. إذ تغوص القشرة المحيطية، نتيجة لفارق الوزن، غوصاً أعمق في الطبقة التي تحتها؛ بينما تطفو الكتل القارية أعلى من القشرة المحيطية، لقلة كثافتها النسبية. |
|
ب- |
تشكل حدود الصفائح المتباعدة، مناطق انبثاق لصخور جديدة، ومناطق اتساع للأحواض المحيطية. |
|
ج- |
تشكل مناطق التقاء الصفائح، مراكز نشاط تكتوني؛ وتكثر فيها البراكين والزلازل والالتواءات والأخاديد. |
|
د- |
وعندما تحتك جوانب الصفائح، عند مرور إحداهما بجانب الأخرى، يقتصر الأمر على حدوث صدوع وانكسارات جانبية. |
وتتحرك هذه الصفائح، تحت تأثير قوة دفع التيارات الحرارية الصاعدة، تحتها.
ويمكن، باستخدام هذه النظرية، شرح كثير من ظواهر سطح الأرض؛ ومنها الأحواض المحيطية.
الأحواض المحيطية، تكونت، إذاً، نتيجة لحركة الصفائح وتباعد بعضها عن بعض؛ فتكون، في مناطق التباعد، قشرة محيطية جديدة. وقد أدت حركة الصفائح تزحزح الكتل القارية وتباعد بعضها عن بعض. كما أدى اختلاف الكثافة، بين صخور القشرة القارية والقشرة المحيطية، اختلاف المنسوب بينهما؛ فكانت قيعان المحيطات منخفضة، تحيط بها جوانب الكتل القارية، فتجمع الماء في هذه الأحواض المتصلة، مكوناً المحيطات.