التعريف بالمشكلة السكانية
هي عدم التوازن بين عدد السكان والموارد والخدمات وهي زيادة عدد السكان دون تزايد فرص التعليم والمرافق الصحية وفرص العمل وارتفاع المستوى الاقتصادي فتظهر المشكلة بشكل واضح وتتمثل بمعدلات زيادة سكانية مرتفعة ومعدلات تنمية لا تتماشى مع معدلات الزيادة السكانية وانخفاض مستوى المعيشة، ويجدر القول إن الزيادة السكانية لا تشكل مشكلة دائماً فمعدل النمو السنوي لسكان الكويت بلغ أكثر من 7٪ خلال فترة 1970-1975 ومع ذلك بقيت تتمتع بمعدلات دخل مرتفعة والمشكلة السكانية لا تتمثل فقط بالزيادة السكانية إنما تتمثل أيضاً بالنقصان السكاني، وبالتالي فإن الأزمات والمشكلات المرتبطة بالمشكلة السكانية تعرب عن نفسها من خلال نقص الأيدي العاملة وتدني مستوى الانتاجية ومشاكل مرتبطة بالأسرة.. الخ، وهذا ما حصل في بلدان أوروبا الغربية في الفترة ما بين 1750-1880 حيث شهدت هذه المرحلة انتقال هذه الدول من الاقطاعية إلى الرأسمالية وحصول الثورة الصناعية وحاجتها الشديدة لأيد عاملة حتى كانت بحاجة لأيد عاملة (أطفال ونساء) فكان الحل أن حصل نمو انفجاري سريع وسجلت أعلى معدلات التزايد السكاني السريع لا بل حتى البعض يعتبرون أن المشكلة السكانية بهذا المعنى -التناقص السكاني- هي الأكثر خطراً على مستقبل الشعوب والدول من تللك المشكلة السكانية المعروفة بالتزايد السكاني.
بهذا المعنى نجد أن المشكلة السكانية لا يوجد لها قانون عام ولا تأخذ نفس المعنى والنتائج نفسها في كل المجتمعات وعلى اختلاف المراحل، بل لكل مجتمع ولكل مرحلة معطياتها الاقتصادية.. الخ هي التي تحدد طبيعة هذه المشكلة السكانية.
علاقة المشكلة السكانية بالتخلف والتنمية
في بلدان العالم الثالث
من خلال ما سبق نقف عند بعض التساؤلات التي تطرح نفسها وهي: هل صحيح ما يقال في أن النمو السكاني يشكل عقبة في طريق التنمية؟ وهل هو سبب تخلف بلدان العالم الثالث أم هو نتيجة لهذا التخلف؟ وهل صحيح أن مشكلة السكان تكمن في أعدادهم المتزايدة وأن حلّ هذه المشكلات يتوقف على تخفيض هذه الأعداد؟ أن هناك جذوراً أخرى ربما تكون بعيدة عن الجانب السكاني؟.
منذ عقد أول مؤتمر عالمي للسكان في العام 1954 وإلى يومنا هذا هناك سيل عارم لا ينقطع من الدراسات حول السكان وقضاياهم تؤكد في مجملها أن مشكلة البلدان النامية إنما تتمثل في زيادة أعداد سكانها وبذلك سار أصحاب هذه الدراسات على خطا مالتوس مقررين أن السكان في تزايدهم إنما يخضعون لقانون أبدي مطلق هو أن التكاثر عملية بيولوجية أبدية، هذا القرار توصلوا إليه بعدما أكدوا كما قال مالتوس أن السكان يتزايدون وفق متوالية هندسية في حين تتزايد الموارد وفق متوالية حسابية وبالتالي كل ما يوجد في هذه البلدان من مشاكل الجوع والفقر.. الخ.. إنما يعود للتزايد السكاني السريع لكننا نلاحظ في هذا الكلام شيئاً من المبالغة وبعداً عن واقع مشكلات البلدان النامية، فالتزايد السكاني ما كان ولن يكون تجسيداً لقانون طبيعي مطلق، فقد بينت التجارب لشعوب مختلفة على مسار التطور التاريخي أن عملية تكاثر البشر إنما هي عملية اجتماعية يخضع لها البشر في سلوكهم الانجابي إلى عوامل تتعلق بطبيعة المحيط الاجتماعي وبالتالي لا داعي للحديث عن أن البشر يخضعون إلى عملية بيولوجية، وللبرهان على ذلك نأخذ تجربة الدول الأوروبية في تطوراتها السكانية، حيث أن عملية تزايد سكانها مرت بعدة مراحل فحتى عام 1750 كانت ضمن مرحلة التوازن السلبي فنتيجة سيادة نمط الانتاج الزراعي وحاجة الانتاج للأيدي العاملة والحاجة لاقتناء الأطفال نشأت قيم الزواج المبكر وارتفعت بالتالي معدلات الولادات، ونظراً للتخلف في المستوى الصحي ارتفعت معدلات الوفيات وبالتالي كانت معدلات النمو السكاني أقرب للثبات. أما المرحلة الثانية فكانت بين عامي 1750-1880 وكما ذكرنا سابقاً تميزت هذه المرحلة بالانتقال من الاقطاعية إلى الرأسمالية ومع حصول الثورة الصناعية زادت معدلات الخصوبة نتيجة الحاجة لتشغيل المرأة والأطفال فشاعت قيم الزواج المبكر وتعدد حالات الانجاب فارتفعت معدلات الولادات ، كذلك انخفضت معدلات الوفيات نتيجة التقدم الصحي، وهكذا شكلت المسافة بين الولادات والوفيات في هذه الرحلة انفجاراً سكانياً وذلك في القرن 19.
أما المرحلة الثالثة امتدت بين 1880-1930 حيث لم يعد العمل بحاجة لأيد عاملة كثيرة إنما أصبح يتطلب أيدي عاملة خبيرة وفنية فأصبح وجود الأطفال عبئاً على الأسر التي عملت على تخفيض معدلات الولادة ومع استمرار انخفاض معدلات الوفيات أصبح الفرق بينهما بسيطاً -حتى أن بعض الدول كانت تعاني من نقص سكاني- ودخلت هذه الدول في مرحلة التوازن الايجابي.
ولا بد من الاشارة إلى أن البلدان النامية ومنها الدول العربية تشهد اليوم مرحلة الانفجار السكاني ولكن مع فارق بينها وبين الدول الأوروبية هو أن الأخيرة جاء نموها الانفجاري بعد تقدمها الصناعي في حين أن انفجار البلدان النامية السكاني سبق تقدمها الصناعي فلم تشهد تلك الثورة الصناعية ولا ذلك التقدم الاقتصادي.
من هنا نلاحظ أن طبيعة المشكلة تختلف من بلد إلى آخر، ففي البلدان النامية جاءت نتيجة للتخلف ولم تشهد تقدماً صناعياً وهنا يكمن مربط الفرس كما يقال، فالمشكلة تتجسد في التخلف والتبعية- استيراد العلم من الدول المتقدمة- التي جاء بعدها الانفجار السكاني وبالتالي حل المشكلة يتجه باتجاه الأساس وهو التخلف وليس تخفيض عدد السكان كما يروج له فهذه المشكلة هي نتيجة للتخلف وليست سبباً له، فالحل يكمن في الخلاص من التخلف، وهذه بعض الموشرات التي تدل على تلك الخسائر التي تتكبدها دول العالم الثالث والتي لا علاقة لها بالتزايد السكاني والتي قد تكون العامل الأساسي في تخلف هذه البلدان وإعادة انتاج تخلفها:
1- خدمة الديون: فالكثير من دول العالم الثالث لا يكفي كل ما لديها من واردات ودخل قومي لسداد ما هو مترتب عليها من ديون فيسجل ميزانها التجاري عجزاً نتيجة عدم المقدرة على دفع تلك الديون التي تأخذ شكل فوائد وأقساط.
2- تدهور التبادل الدولي حيث تصدر هذه البلدان المواد الخام بأسعار زهيدة جداً لتستوردها مواد مصنعة بأسعار تفوق الخيال.
3- الخسائر الناجمة عن طريق تحويل أموالها للخارج بواسطة الشركات الأجنبية العاملة في هذه البلدان وبالعملات الصعبة.
4- هجرة الأدمغة والكفاءات العلمية.
5- أثر العوامل الداخلية في البلدان نفسها التي تكرس التخلف وتعيد إنتاجه، كالنفقات الغذائية والعسكرية والمصاريف الباهظة على السلع الاستهلاكية.
مع الاشارة إلى أن 20٪ نسبة سكان البلدان المتقدمة من سكان العالم و80٪ يشكلون سكان البلدان النامية، في حين أن 80٪ من الدخل العالمي هو من نصيب سكان البلدان المتقدمة و20٪ فقط هو من نصيب سكان البلدان النامية.
يرى البعض أن مواجهة المشكلة السكانية عن طريق رفع الدخل والبعض الآخر يری ذلك عن طريق تغيير العادات والتقاليد، والبعض الآخر يعتبر أن المشكلة السكانية أمر حيوي ويتعين أن تحتل برامج تنظيم الأسرة الأهمية العظمى في ظل خطط التنمية، ولكن حل المشكلة السكانية يتطلب عدة خطوات أهمها التحرر الاقتصادي، ويعني ذلك نفي التبعية الاقتصادية بكافة أشكالها، سواء التبعية النقدية لنظام النقد الدولي أو التبعية التكنولوجية أو مشاركة رأس المال الأجنبي أو عدم السيطرة على النظام المصرفي المحلي.