قراءة في كتاب: (العرب في الاستراتيجية الأمريكية) ـــ عدنان عويّد
إصدار آخر للكاتب والباحث الدكتور خلف الجراد أضافه إلى المكتبة العربية بعد إصداراته العديدة التي ابتدأها بـ /الفن والأيديولوجيا/ عام /1984/ مروراً بـ /"الفن والدين"، و"ثقافة السريان في القرون الوسطى"، و"فيلسوف الفريكة أمين الريحاني"، ثم "الفلسفة اليابانية"، "واليزيدية واليزيديين"، و"الإسلام والمسيحية"، و"معضلات التجزئة"، و"الأبعاد الفكرية والعلمية التقنية للصراع العربي الصهيوني"، إضافة إلى إصداره "الخيار النووي في الشرق الأوسط"، و"أسئلة اللحظة الراهنة"، ثم"هل فات الأوان؟"، وصولاً إلى "أبعاد الاستهداف الأمريكي".
في الإصدار الأخير "العرب في الاستراتيجية الأمريكية" الذي قسمه الدكتور الباحث إلى مقدمة وتسعة فصول أو مباحث وخاتمة. فالبرغم من أن مسألة الصراع العربي- الصهيوني والدور الأمريكي في المنطقة، راحت تشكل هاجساً لدى الدكتور الجراد وبخاصة في أعماله الأخيرة، وهو الذي شغلته كثيراً قضايا الداخل العربي التي تناولتها أعماله، مثل "ثقافة السريان"، و"الإسلام والمسيحية"، و"اليزيدية واليزيديين"، هذه القضايا التي لمس الباحث أنها أحد أهم نقاط الضعف التي كثيراً ما اشتغل عليها الخارج المستعمر من أجل اختراق المنطقة واستعمارها. والتي قدم فيها مرافعاته الوطنية والقومية المخلصة، نجده أخذ يشتغل على المستوى الخارجي أيضاً الذي وجد فيه أن أمريكا والصهيونية هما أهم مكوناته ولابد من تسليط الضوء على جملة الوسائل والأساليب التي ترتكز عليها سياستهما، فجاء هذا الكتاب ليصب في هذا الاتجاه.
رؤية تحليلية
في المبحث الأول: يتناول الدكتور الجراد أهمية الموقع الجغرافي والاقتصادي والتاريخي للمنطقة العربية، هذا الموقع الذي أطلق عليه مصطلح (ظاهرة التراكم الاستراتيجي الدائم)، والذي شكل كما يشير الباحث قوة جذب للعنصر الخارجي وبخاصة المستعمر.
أما أبرز ما جاء في هذا المبحث هو الرؤية التحليلية للباحث تجاه المنطقة من حيث النظر في البنية الاستراتيجية، والتقسيم الجيوسياسي لها بدوائره الأربع كما حددها الباحث، ثم الموقف الغربي والأمريكي والإسرائيلي عموماً من هذه الدوائر وفقاً لمصالح هذه الدول والمرحلة التاريخية التي حركت هذه الدولة أو تلك للتدخل في قضايا هذه المنطقة بناء على تحقيق هذه المصالح، مشيراً بشكل واضح إلى الدور الأمريكي والصهيوني في المنطقة العربية منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية حتى هذا التاريخ.
في المبحث الثاني: يتناول الباحث الجراد الأهداف الدائمة والمصالح الحيوية الأمريكية في المنطقة، مميزاً بطبيعة الحال ما بين المصالح الدائمة والمصالح الحيوية. حيث تأتي الدائمة هنا نابعة من الفلسفة السياسية التي يقوم عليها النظام السياسي، أما الحيوية فهي ترتكز حسب تعبيره على المنافع والمكاسب التي تستفيد منها الدولة وشعبها وتشتمل هنا برأيه على النواحي الاقتصادية والعسكرية والثقافية وغيرها، هذا دون أن ينكر تلك العلاقة الجدلية ما بين المصلحتين.
هذا ويجد الباحث الجراد أن الأهداف الدائمة لأمريكا تنطلق من تحقيق الاستقرار في المنطقة بكل أشكاله، أي الحفاظ على الوضع القائم كونه يحقق لها مصالحها، ثم منع أية قوة تحاول الخروج عن هذا الوضع، أو ترغب في تغييره بما يؤثر على مصالحها، الأمر الذي دفع أمريكا إلى تبني إسرائيل ومشروعها الاستيطاني، مثلما دفعها أيضاً إلى تبني مصالح أية دولة إقليمية مجاورة لهذه المنطقة يمكن أن تخدم مصالحها هي بالذات أيضاً.
أبرز نتائج الحرب
في المبحث الثالث: يتناول الدكتور خلف تأثير المرحلة الريكانية على الصراع العربي الصهيوني في المنطقة وخاصة قبل الحرب اللبنانية، فيجد أن هذه المرحلة استطاعت لأول مرة في تاريخ السياسة الأمريكية في المنطقة أن تدخل الأيديولوجيا أو العقائد الإيديولوجية لتمارس نشاطها في رسم السياسة الأمريكية، هذه السياسة التي انطلقت من التأكيد على الذات ومواجهة الآخر المختلف مع هذه الذات، وهو هنا الاتحاد السوفييتي والمنظومة الاشتراكية التي يجب العمل على إنهائها. ثم التحمس الشديد لإسرائيل الذي تجلى في مسألتين كما يرى الباحث هما:
إعادة تفسير القرار رقم /242/ بما يخدم إسرائيل، بحيث يفسر على أن لا يكون الانسحاب من كافة الأراضي المحتلة. ثم إعطاء إسرائيل الشرعية في الاستيطان ضمن أراضي غزة والضفة الغربية. كما يتعرض الباحث في هذا المبحث إلى مسألة الحرب اللبنانية وأبرز النتائج التي حققتها هذه الحرب مثل، تعزيز سمعة أمريكا كقوة عظمى، وتركيز عملية الصراع العربي- الإسرائيلي بيدها، وظهور الاتحاد السوفييتي كقوة آفلة إلى السقوط، ثم خروج إسرائيل كقوة لا تقهر في المنطقة، وإظهار العرب كقوة ضعيفة مرة أخرى أمام التحديات الصهيونية.
في المبحث الرابع يعمل الباحث على تفنيد تلك الآراء التي تروج لمقولة أن سياسة الحكومات المنتمية للحزب الديمقراطي في الولايات المتحدة الأمريكية هي أفضل وأكثر عقلانية تجاه قضايانا من سياسة الجمهوريين، وذلك من خلال تقديمه الأدلة القاطعة على أن كلا السياستين منذ عهد (أيزنهاور) حتى (بوش) تعملان بالخط نفسه المعادي لقضايانا العادلة، وخاصة مسألة الصراع العربي- الصهيوني. فالخط العام لهذه السياسة كان ولم يزل يصب في مصلحة إسرائيل وبالتالي مصلحة أمريكا ذاتها.
في المبحث الخامس من الكتاب، يسلط الدكتور خلف الجراد الضوء على مسألة الخطاب الديني في السياسة الأمريكية تجاه مسألة الصراع العربي- الصهيوني، هذا الخطاب الذي كرسه وبعمق كما يشير الباحث الرئيس (كلينتون) الذي عمل على إعادة الربط ما بين (البروتستانتية واليهودية) التي اشتغل عليها أيديولوجياً وسياسياً (مارتن لوثر) في مشروعه الإصلاحي.
إن مسألة العلاقة هذه، راحت تتجسد عملياً في العصر الحديث في السياسة الأمريكية وبشكل فاقع مع عهد (كلينتون) لتأكيد المسائل التالية كما يشير الباحث الخلف:
1-تأكيد مشروعية إقامة الدولة الإسرائيلية على أنها تحقيق لوعد إلهي، أو نبوءات توراتية.
2-طمأنة الإسرائيليين على أن الإنجيليين الأصوليين في أمريكا ملتزمون بالعمل من أجل أمن إسرائيل، وأن اليهود هم شعب الله المختار، وأن الله يبارك من يباركهم.
الدور اليهودي
في المبحث السادس: يتناول الباحث مسألة الانتخابات الأمريكية والدور اليهودي في اللعب على وترها منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. كما يشير الباحث أيضاً إلى المكانة الاقتصادية والإعلامية التي يتمتع بها اليهود في أمريكا وكيفية استخدام هذه الإمكانيات من قبلهم للسيطرة على السياسة الأمريكية، وتمرير مصالحهم، وفرض هيمنتهم عبر المؤسسات الصهيونية في أمريكا.