العرب والغرب والمستقبل ـــ علي عقلة عرسان
لم يعد الغرب بحاجة إلى ورقة التوت يستر بها عريه وعورته وعاره فيما يتصل بممارسة العدوان والإرهاب تحت ستار مقاومة العدوان والإرهاب، وهو بعد قراريه المتعلقين بالجماهيرية الليبية 731 و 748 يخلع تلك الورقة ويرميها في وجه العرب أولاً وشعوب العالم النامي ثانياً، ويعلن بوضوح تام أنه يتصرف على هواه، ويعطي للعدالة مفهومة، ولمصلحته قوة القانون، وإن قضية تسليم المتهمين الليبيين ليست هي المطلب النهائي له من ليبيا، وإنما هي مدخله الذي تذرع به لاستصدار القرارين على أساس الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، لممارسة الضغط والتهديد والتخويف، والتمهيد للعدوان وصولاً إلى تحقيق أغراضه البعيدة.
وبعد أن تلفّع براية الأمم المتحدة ورقعها باسم عدالته هو، وهي "عدالة" مشبوهة ومشوهة وقذرة إلى أبعد الحدود، بعد أن فعل ذلك، أخذ يطالب الجماهيرية عموماً والعقيد القذافي على وجه التخصيص، وبأسلوب فيه تحد وامتهان، بتنفيذ طلبات مذلة دون شروط، خلال مدة أقصاها الخامس عشر من نيسان، والطلبات لا تتعلق بموضوع الطائرتين الأميركية والفرنسية فقط، وإنما بتحميل ليبيا ومن يتهمهم بممارسة الإرهاب وتشجيعه من العرب والمسلمين، مسؤولية دعم كل من يضايق الغرب بمطالب عادلة، من ايرلندا إلى الباسك، ومن أميركا اللاتينية والهنود الحمر إلى الأفارقة والآسيويين المضطهدين، وكل من يختار الخروج على شريعة الغاب الأنكلو- سكسونية، وكل من يفكر بالتحرر من الاستعمار وتحرير نفسه من النهب الاقتصادي الذي يمارس ضده، فليبيا مطالبة الآن بتسديد فواتير قديمة تتعلق بالجيش الجمهوري الايرلندي، وبتقديم معلومات حول أسلحة ذلك الجيش وذخائره وأشخاصه، ومطالبة بتقديم حساب عن كل ما يتصل بعمليات أبي نضال، وبإغلاق معسكرات التدريب، وبتسليم المتهمين، وبما يستجد من مطالب أميركية- بريطانية- فرنسية غايتها النهائية إحكام الحصار على ذلك البلد وإيصال الأمور معه إلى حدود التفجر الشامل بغية توجيه ضربة عسكرية له، لا لأن ليبيا كما يزعمون، أسقطت طائرتين أميركية وفرنسية، ولا لأنها كما يزعمون تدعم الجيش الجمهوري الايرلندي وما يسمونه "الإرهاب الدولي"، ولا لأنها كانت تقول لا "لأميركا" في ظل الحرب الباردة التي انتهت بانتصار أميركا، لا لذلك كله وسواه وحسب، وإنما هو يفعلون ذلك بضغط أميركي أو بتواطؤ مع أميركا لتحقيق سلسلة من الأفعال المتكاملة في مخطط منسق ذي مراحل ضد العرب، ينفذ خطوة خطوة، ويستفرد فيه بقطر بعد آخر، وصولاً إلى تحقيق أهداف ثابتة وحيوية بالنسبة لمصالحهم ولمستقبل السياسة التي يخططون لها خلال القرن القادم.
إن أميركا أولاً وثانياً وثالثاً، وبتحالفها مع بريطانيا رابعاً، وبتبعية فرنسا لهما خامساً، أن أميركا هذه تريد أن تستكمل سيطرتها المباشرة على نفط العرب، فتتحكم بإنتاجه وتصديره وتسعيره، لأنها تدرك جيداً، وتبني سياستها على أساس ذلك الإدراك الجيد المبني بدوره على حسابات دقيقة والذي يقول: إن من يسيطر على النفط يسيطر على العصر القادم، والنفط معظمه بيد العرب، فمن يسيطر إذن على العرب يسيطر على النفط، ومن يسيطر على النفط يسيطر على العالم.
وليبيا تملك من هذا النفط كمية لا يستهان بها وهي قريبة مجاورة للجزائر ومتفاعلة معها وقادرة، من خلال الاتحاد المغاربي الذي تحرص على استمراره، أن تؤثر على نفط المنطقة، وهي فضلاً عن ذلك قريبة جداً من الأسواق الأوربية التي قد تكون هي المنافس المستقبلي لأميركا في السوق، سوق السياسة وسوق الاقتصاد وسوق المال، وقبل أن تصبح أوربا الموحدة قوية وقادرة على أن تقول لا، لا بد من إحكام القبضة على عنقها، والذي يسلم رقبة أوربا لأميركا هو بريطانيا التي تضع رجلاً هنا ورجلاً هناك، وتمت للأميركيين بصلات وقرابات وتقيم معهم شراكات لا يرتاح لها الأوربيون الآخرون، وإن كانوا لا يملكون الآن أن يقولوا لا لأنهم ما زالوا أتباعاً للأميركي القوي الذي أجهز على "السوفييت" والشيوعية والماركسية، وأخضع نفط الخليج لسيطرته- وهو الذي يغذي أوربا واليابان بالطاقة على نطاق واسع ومدى بعيد-، ولقن دول العالم النامي درساً من خلال العراق، وبدد أحلام العرب بالوحدة والعزة والاستقلال، وأصبح قائداً للعالم بحكم القوة وقانونها الغاشم، فالأوربيون يتمنون أن يقولوا لأميركا، باسم أوربا كلها "لا" قريباً، ولكنها ستكون لا لصالح أوربا وليس لصالح شعوب الأرض ومنهم العرب.
-وأميركا تريد أن تبتز الأموال الليبية لتخفف من ضائقتها الاقتصادية ومن العجز الضخم في ميزانيتها.
-وأميركا تريد أن تمنع ليبيا ومن اتهمتهم- ويا له من اتهام أعلنه مدير المخابرات الأميركية روبرت غيتس في شهادة له أمام مجلس الشيوخ الأميركي- ببناء قوتهم العسكرية ومحاولتهم امتلاك الأسلحة العصرية، بما فيها أسلحة الدمار الشامل وهم: إيران والعراق وسورية وليبيا، أقول أميركا تريد أن تمنع ليبيا من بناء قوة تحرر قرارها السياسي- الاقتصادي، وتحمي ثرواتها وسيادتها ومواطنيها، وتحقق أهدافها القومية والإسلامية.